التخطي إلى المحتوى

أدت الأنباء التي تحدثت عن انزلاق الصين إلى انكماش مالي Deflation – تراجع متواصل للأسعار – إلى مخاوف تتعلق بآفاق النمو العالمي. وعلى رغم أن التوقعات بنمو الاقتصاد الصيني بنحو خمسة في المئة هذا العام لا تزال قائمة، يعد هذا الرقم المثير للإعجاب واحداً من أضعف المستويات في العقود الأخيرة وغير كافٍ لتوليد فرص عمل كافية لسكان لا يزالون يتزايدون، ذلك أن الصين تحتاج إلى توفير نحو 16 مليون وظيفة جديدة كل عام للمتخرجين في المدارس والكليات في المناطق الحضرية.

بل إن الاقتصاديين الأكثر تشاؤماً يشيرون إلى أن الصين قد تتجه نحو ذاك الركود وتلك “العقود الضائعة” التي اجتاحت اليابان لسنوات عديدة، مع ثبات الأسعار والإنتاج والأجور. ويعترف المكتب السياسي للحزب الشيوعي الصيني بأن التعافي في البلاد بعد الجائحة يحقق “تقدماً شاقاً” ويتعهد “بتوسيع الطلب المحلي بنشاط”. لقد ضعفت الصادرات والواردات، وسيتعين على الرئيس شي جينبينغ الموافقة بسرعة على إجراءات لقلب اتجاه الهبوط الكارثي المحتمل.

اقرأ المزيد

يحتوي هذا القسم على المقلات ذات صلة, الموضوعة في (Related Nodes field)

لماذا علينا أن نقلق حيال الصين؟

اعتماداً على كيفية القياس، تعد الصين أكبر الاقتصادات المنفردة في العالم أو ثاني أكبرها. إنها قوة نووية ذات جيش ضخم وقوة صناعية عظمى وبلاد تتمتع بتفوق تكنولوجي في مجالات مثل السيارات الكهربائية، وتربط بين المصالح الدبلوماسية والاقتصادية المنتشرة في أنحاء العالم كله، وتملك سياسة خارجية أصبحت حازمة حديثاً. كان القول المأثور القديم يفيد بأنه عندما يصاب الاقتصاد الأميركي بالزكام، يصاب بقية العالم بالتهاب رئوي، يمكن قول أمر مماثل عن الصين هذه الأيام.

والحقيقة أن الصين القوية جنبت الاقتصاد العالمي ركوداً مطولاً أو حتى الانكماش منذ الأزمة المالية العالمية عام 2008 في الأقل. أما في ظل الصين الضعيفة والراكدة فتكون السوق أقل استعداداً لتمويل ميزانيات أميركا الضخمة وعجز ميزانها التجاري. ويعني ذلك أيضاً فقدان طلبيات التصدير التي تنشأ في بقية العالم، وسيشكل خبراً سيئاً في شكل خاص لألمانيا، التي استفادت في شكل كبير من تجارتها مع الصين. وعلى رغم التحركات الأخيرة نحو إبطال مفاعيل العولمة، و”إعادة الوظائف إلى مواطنها”، والحد من الاعتماد على البضائع المصنعة الصينية، لا يزال عالمنا مترابطاً بما يكفي ليعني أن ما هو سيئ للصين ليس بالضرورة جيداً للغرب.

ما هو الجانب السياسي لهذا كله؟

إذا لم يشهد الاقتصاد الصيني خللاً كاملاً، سيكون الأثر السياسي إيجابياً، مع أخذ العوامل كلها في الاعتبار، أقله في الأجل القريب. قد يذكر تباطؤ الصين بمدى أهمية التجارة والنمو لرفاهها، ومدى اعتماد ذلك فعلياً على الأسواق الغربية والاستثمار في كلا الاتجاهين وليس على روسيا الفاسدة والمعطلة. وهكذا، قد تتخذ بكين موقف المصلحة الذاتية المستنيرة وتشجع روسيا على التخفيف من حدة حربها في أوكرانيا، والتي أثبتت أنها محبطة للاقتصاد. وينطبق الشيء نفسه على كوريا الشمالية، حيث يواصل كيم جونغ أون التسبب بتوترات إقليمية. قد تشعر الصين أيضاً بحافز أقل في السعي إلى تحقيق مطالبها في تايوان وفي النزاعات الإقليمية المحلية، بينما تركز على إصلاح الاقتصاد.

إلامَ يمكن أن تفضي مرحلة مطولة من الانكماش المالي داخل الصين؟

ستكون الأوضاع غير قابلة للتوقع، وربما خطرة. ويقال إن سوق العقارات، بالتالي النظام المصرفي، مثقلان بالأعباء في شكل كبير، كما أن الاقتصاد الصيني شبه الموجه يجعل إدارة أية تعديلات ضرورية أكثر صعوبة.

في ظروف كهذه، من الصعب أن نعرف كيف يمكن أن يكون رد فعل الحزب الشيوعي الصيني، إذ كثيراً ما تلجأ الأنظمة التي تعاني المشكلات إلى الحروب الخارجية لتعزيز موقفها المحلي. وهذا أحد الأسباب لماذا يجد فلاديمير بوتين نفسه في الفوضى الحالية. وتتمثل وجهة نظر أكثر تفاؤلاً في أن هذه المشكلات الملحة قد تدفع الصين نحو تحرير السوق واتباع أسلوب رأسمالي أكثر غربية وكفاءة، لكن يبدو هذا غير مرجح نظراً إلى ولع الحزب الشيوعي الصيني بالسيطرة.

ماذا يعني ذلك لبريطانيا؟

باعتبار المملكة المتحدة قوة لا تزال تجني كثيراً من دخلها من التجارة والاستثمار في الخارج، يحظى ما يحدث للاقتصاد العالمي باهتمام كبير من قبلها. وعلى رغم الجهود التي بذلتها الحكومات السابقة، لم تحقق الحملة البريطانية للتصدير إلى الصين نجاحاً مذهلاً، كما دفعت المخاوف الأخيرة في شأن التجسس إلى إبعاد الاستثمار الصيني في تقنية الجيل الخامس من الاتصالات والطاقة النووية المدنية. ومع ذلك لن تزدهر بريطانيا في حال إصابة الصين بالضعف، وليس هناك ما يدعو إلى الاعتقاد أن الركود الاقتصادي من شأنه أن يساعد سكان هونغ كونغ. قد تكون الصين منافساً للمملكة المتحدة وتمثل تحدياً لها، لكن يجب ألا يعتبرها ريشي سوناك “تهديداً”. فمن عجيب المفارقات أن انهيار اقتصاد الصين سيصبح تهديداً للآفاق الاقتصادية البريطانية، لكن بسبب الضعف وليس القوة.