التخطي إلى المحتوى

بعد أن أعلن رئيس الجمهورية ميشال عون موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود، اتّخذ الاتفاق صفته الرسمية، ولو أنّه لم يوُقّع بعد. لكن الاستفادة من الثرواتلا تزال موضع تشكيك من قبل خبراء، سواء أكان من ناحية تأكيد وجود الموارد المشار إليها في حقل قانا تحديداً، أو من ناحية إدارة الحوكمة والاصلاح الاقتصادي. وفي الوقت الذي يعوّل الكثيرون على الثروات الكامنة تحت البحر لانتشال لبنان من أزمته، لا بدّ من السؤال عن الفائدة الاقتصادية المُقدَّرة، والتي قد تعود على لبنان من هذا الاتفاق، وعن العوامل والظروف إن كانت مهيّأة أم لا للاستفادة من هذه العوائد.

 

 

رودي بارودي… “من 400 إلى 600 مليار دولار تقديرياً”

طرداً لفكرة التشكيك في وجود النفط والغاز، يورد الخبير النفطي الدولي، وأمين سرّ بعثة لبنان إلى مجلس الطاقة العالمية، رودي بارودي، في حديث لـ”النهار”، أنّه بَعدَ المسح الذي أُجري في المنطقة ككلّ من العام 2002 حتى العام 2006، من جنوب سوريا وصولاً إلى قبرص وجنوب إسرائيل، تبيّن أنّ جميع هذه البقعة تحتوي على موارد نفطيّة. وفي العام 2009- 2010، عندما بدأ المسح في قبرص وإسرائيل وجدوا هذه الموارد.

جميع هذه المكامن والصخور التي لدينا في قعر البحر، يمكن أن نقول عنها إنّها إيجابية، وتحتوي على هذه الموارد، ممّا يمكّنها من إعطائنا دعماً اقتصادياً هائلاً. لكن لا يُمكننا معرفة الكميّة الموجودة حتى نبحث ونستكشف. وإذا نجح الاستكشاف، يمكننا حينها استقدام منصّات للاستخراج، فنعرف حجم الآبار الموجودة؛ جميع البُقع المحيطة بلبنان تتمتّع بثروة نفطية تحت الماء، “فلماذا التشكيك بوجود النفط في المياه البحرية اللبنانية إذن؟”، يتساءل بارودي. لذلك فإنّ احتمال ألّا يكون لدينا نفط وغاز ضئيل جداً.

إلى ذلك، لا جهة تعلم حجم الثروة في مكمن قانا قبل بدء عمليات التنقيب، بالرغم من وجود التقديرات، التي لن تكون دقيقة – بطبيعة الحال -، ولن يمكننا تحديد أرقام مؤكَّدة قبل وصول الشركة المنقّبة وإطلاق العملية”، وفق بارودي، الذي يُضيف أنّ “تقديرات حقل كاريش فقط تُشير إلى وجود عائدات تقدّر بـ16 مليار دولار، وقد يزيد المبلغ في حال وُجدت كميّات إضافية شمال، جنوب، شرق أو غرب المكمن، أثناء عمليات التنقيب”.

واقتصادياً، بحسب بارودي، “علينا أن نكون سعيدين جداً، على أن يترافق مسار استخراج النفط مع إنجاز الإصلاحات المطلوبة والمُلِحّة، فمهما بلغت كميّة الموارد المستخرَجة، إن لم تترافق مع إصلاحات اقتصادية وقانونية ومالية، فلن يستفيد الشعب منها”.

والتقديرات التي استخلصتها إحدى المسوحات في العام 2010 في كلّ من قبرص وإسرائيل، “كانت صحيحة نسبياً. لذلك، في ما يتعلق بتقديرات الجهة نفسها حول كمية الغاز والنفط الموجودة في لبنان، وإذا ما احتسبناها على سعر الغاز والنفط الراهن، فإنّها تُقَدَّر بما يقرب من 400 إلى 600 مليار دولار تقديرياً، إضافة إلى وجود كمية من النفط والغاز لا يُستهان بها في البرّ أيضاً”، وفق بارودي.

وفيما تحدّث الرئيس ميشال عون عن وجوب تخصيص صندوق سيادي لعائدات النفط والغاز، يؤكّد بارودي أنّ “إنجاز الإصلاحات يمهّد الطريق إلى اعتماد الصندوق السيادي”. فإذا ما سارت عائدات النفط والغاز بالشكل السليم، فإن القطاع التربويّ والصحيّ وغيرهما من القطاعات سيستفيد منها.

في الأثناء، ركزت آراء على أنّ اتفاق الترسيم لم يحلّ القضايا الاقتصادية الرئيسية المتعلّقة بتقاسم أرباح الموارد المحتملة، لكنّه أرجأ البتّ بها إلى موعد لاحق. تعليقاً، يقول بارودي إنّ “الاتفاقية النهائية المسرَّبة لم تذكر تقاسم أرباح بين لبنان وإسرائيل من الموارد المحتمَلة، وهي اتفاقية جيّدة جداً؛ وكلّ ما يُحكى في السياسة والإعلام لا يلتقي مع ما ذُكر في الاتفاقية. وما قد يُفضي إليه اتفاق “توتال” وإسرائيل لاحقاً لا يعني لبنان، ولا يدخل في خزينته، ولا علاقة للبنان به لا من قريب ولا من بعيد، وشركة “توتال” أكّدت ذلك. وكلّ ما يُحكى عن تقاسم أرباح هو أمر غير صحيح وغير موجود أساساً في الاتفاق”.

كذلك، تردّد حديث عن أنّ “قدرة لبنان على استكشاف آفاق حقل قانا وتطويره يعتمدان في نهاية المطاف على موافقات إسرائيلية وعلى الترتيب المالي المستقبليّ بين توتال وإسرائيل”. في هذا الإطار، يلفت بارودي إلى أنّ “الكلام عن موافقة إسرائيلية على الاستكشاف والتنقيب في حقل قانا عارٍ من الصحة، فخطّ الحدود البحريّ أصبح خطاً معترَفاً به، والاتفاق الذي وقّعه الجانبان أُرسل إلى ما يُسمّى بالـ division of ocean affairs at the united nations، حتى أنّه يمكننا ممارسة السباحة في هذه المياه وصيد السّمك. وبعد كلام الرئيس عون أمس واعترافه بالخط الحدودي البحري، وإعلان موافقة لبنان على اتفاق ترسيم الحدود، فانه إقرار رسميّ بهذه الحدود، وكأنّنا وقّعنا على الاتفاقية أمس، وبذلك يحقّ لنا التنقيب من دون الرجوع إلى أحد”.

مارك أيوب… رفع “الفيتو”

الباحث في مجال الطاقة في معهد عصام فارس في الجامعة الأميركية في بيروت، مارك أيوب، وفي حديثه لـ”النهار”، يرى أنّه “ليس هناك عوائد اقتصادية مباشرة لا في المدى المتوسط ولا القصير”. فاتفاق الترسيم رفع الفيتو، وأعاد فتح المنطقة الاقتصادية في البلوكات البحريّة أمام الشركات الأجنبيّة للاستثمار. وفيما استحصلت شركة “توتال” على رخصة لأعمال البلوك رقم 9، إلا أنّها لم تأتِ، ولم تباشر بأعمال الاستكشاف، بالرغم من أنّها وقّعت على هذه الأعمال لأسباب سياسيّة ولضغوط مورست عليها لمنعها من الحفر والاستكشاف، بينما اليوم، ليس هناك أيّ ذريعة جيوسياسية تعيق توافد الشركات الأجنبية للتنقيب في البحر اللبناني إذ أُزيلت جميع العوائق.

وعلى الصعيد الاقتصادي بالتحديد، اتفاق ترسيم الحدود البحرية، وفق أيوب، هو خطوة على مسار كون لبنان دولة نفطيّة. لكنّه حتى الساعة لا يُمكن الإقرار بأنّ لبنان أصبح بلداً نفطياً، ولا يمكن المقارنة بين العائدات التي سيحصل عليها كلّ من الجانبين لعدم معرفة كمية النفط والغاز الموجودين في حقول لبنان.

لكن الأكيد هو أنّ العوائد الاقتصادية لإسرائيل ستكون سريعة لأنّ الجانب الإسرائيلي سيبدأ بالإنتاج من حقل كاريش الأسبوع المقبل، وفق أيوب، الذي يؤكّد أنّ ليس هناك من تقاسم للأرباح بين الجانبين في هذا الاتفاق. وما تمّ حلّه في اتفاق الترسيم وربطه تحت الإدارة الأميركية والإسرائيلية هو حقل قانا. صحيح أنّ هذا الحقل هو بكامله للبنان، لكن إسرائيل تبرم اتفاقاً مالياً بينها وبين شركة “توتال”، وبالتالي هناك فقرة في اتفاق الترسيم تنصّ على رهنٍ بالاتفاق المالي بين إسرائيل و”توتال”. ويتساءل أيوب: “ماذا لو لم يحصل هذا الاتفاق؟ حينها كلّ ما هو جنوب الخط 23 يكون معرّضاً للمشاركة. لذلك، فإنّ هذا الاتفاق أجّل التنقيب البريّ إلى وقت لاحق، وتأجّل بذلك كل اكتشاف جديد يمكن أن يحصل في المستقبل بعد هذا الاتفاق، على طول الخطّ 23، إذ سيُعرقل أيّ اكتشاف جديد وسيتم اللجوء إلى الأميركي للتوسّط ولن يلتزم الإسرائيلي حينها”.

بيار الخوري… الظروف المؤثرة في المسار

“تُعتبر الفائدة الاقتصادية من ترسيم الحدود البحرية موضوعاً شائكاً لأنّ آثاره ستكون تكون طويلة الأمد”. هذا ما يورده الخبير الاقتصادي، البروفسور بيار الخوري لـ”النهار”.

فعلى المدى القصير، يتحدّث الخوري عن توقّعات وبعض التأثيرات الدولية المرتبطة في إطار الأجواء الإيجابية بين لبنان ودول الغرب. وعلى المدى الطويل، الأمر يتوقّف على حجم الثروة الغازية التي قد تُستخرج لاستكمال مشروع التنقيب في البلوكات الأخرى، كما أنّه يرتبط ببعض السياسات التي سيتمّ اعتمادها للاستفادة من “الثروة الجديدة”.

لذلك، وعلى المدى القصير، ستشجّع هذه التوقّعات الشركات الخارجية على الاستثمار في لبنان. “التوقعات العامة بالنسبة إلى المستقبل الاقتصاديّ في لبنان، ستكون أفضل، وقد يلجم بذلك، ولو بطريقة نسبيّة، الانهيار الاقتصادي”، بنظر الخوري. ومن ناحية أخرى، على ما يبدو أنّ ملف الكهرباء “استوى”، وقد نشهد تغييراً رئيسيّاً على هذا المستوى في المرحلة المقبلة، فالكهرباء هي عصب الاقتصاد. وانعكاس هذين العامَلين مع ما يتمّ الحديث عنه عن تليين الوضع المصرفي – بالرغم من أنّ آليته لا تزال غير واضحة – من البوادر الإيجابية.

ويجب النظر أيضاً – على ما يقول الخوري – إلى السياسات الاقتصادية، إذ هناك خطر رئيسيّ يكمن في الاعتداد بـ”إعادة الصداقة مع الغرب”، إضافة إلى التدفقات النقدية المتوقَّعة من النفط، ولو بعد سنوات”. ويوضح قوله بأنّ هذين العاملين سيقلّصان من العزيمة على الإصلاح، و”هذا أكبر خطر نتعرّض له، فالأزمة مرّت على الناس وتأقلموا معها، وهنا نتحدّث عن الفرصة المناسبة التي تجدها الطبقة السياسية لإعادة تكرار النموذج الريعيّ نفسه بطريقه تمويل جديدة، عبر التدفقات التي قد تتأتّى من النفط والغاز، إلى جانب التوقعات الإيجابية من الاستثمارات الخارجية، إضافة إلى استئناف الصداقة مع دول الغرب، وبذلك نكون قد عدنا إلى إنتاج النموذج نفسه بمصادر تمويل أخرى هي أموال النفط والغاز والرضى الدولي”.

ويرى الخوري أنّ الحديث عن اعتماد صندوق سيادي هو “حديث ملتبِس”، وليس معروفاً مَن الذي سيُديره، وبأي بيئة اقتصادية سيُدار. فإدارة الصندوق السيادي على يد الطبقة السياسية نفسها، سيُعيد إنتاج التجربة نفسها. وهناك مطالبات بأن يكون للصندوق السيادي مفاعيل المحافظة على الذهب. لكن هذا الطرح ليس حلّاً، فما جرى هو تعطيل لاستخدام الذهب، ويُمكن كذلك تعطيل عائدات النفط والغاز، فـ”نحن أمام عقليّة غير إنتاجية وغير تنموية وغير تطويرية، الطبقة السياسية فازت في معركة الثلاث سنوات من الأزمة وانتصارها على جميع المعايير، أمر يهدّد الاستفادة اقتصادياً من النفط والغاز”.

Scan the code