التخطي إلى المحتوى

دمشق- “لحق الدمار ببعض الأجزاء من منزلي، ولم أجد فيه سوى أثاث بسيط متبقٍّ للجلوس وبعض الأواني المعدنية وأغراض أخرى في المطبخ، ولم تصل الكهرباء سوى نصف ساعة منذ عودتنا، ولكن قالوا لنا إنها ستتحسن قريبا”.

هذا ما قاله النازح السوري العائد من لبنان أبو ريان (57 عاما) للجزيرة نت، وأضاف: “لم تكن العودة إجبارية بالمعنى الحرفي، ولكننا في المخيم (مخيم عرسال) كنا نعاني الأمرّين يوميا لتأمين أبسط مقومات الحياة، بما في ذلك مياه الشرب والمأكل، وأصبحت المعيشة في السنوات الأخيرة مستحيلة”.

وشهدت الحدود اللبنانية السورية -الأربعاء الماضي- عودة أولى دفعات اللاجئين السوريين من مخيم عرسال هذا العام بتنسيق بين الحكومة اللبنانية وحكومة النظام السوري، وتحت إشراف جهاز الأمن العام اللبناني، ضمن خطة وصفها الجهاز “بالآمنة والطوعية”.

وتم الشروع بتنفيذ الخطة عام 2017، وتوقفت خلال جائحة كوفيد-19 منذ عام 2020، ليعلن لبنان استئنافها في 12 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، وسط تخوفات وانتقادات من منظمات إنسانية وجهات سياسية تحذّر من انتهاكات قد تطال اللاجئين السوريين العائدين.

وقال جاسم المحمود نائب محافظ ريف دمشق لإذاعة “شام إف إم” المحلية إن 90% من النازحين العائدين في الفوج الأول هم من بلدات القلمون والنبك وقارة والجراحين غربي سوريا، مشيرا إلى أن المحافظة جهزت لهم معبرا لوجستيا مع سيارات الإسعاف، وعيادات متنقلة، إضافة إلى تأمين مراكز إيواء للعائدين.

وكان من المتوقع أن يغادر 750 لاجئا سوريا من لبنان نحو سوريا كدفعة أولى، إلا أن 511 لاجئا فقط هم من عادوا، بحسب بيان للأمن العام اللبناني يوم الخميس.

اللاجئون السوريون عاشوا أوضاعا اقتصادية صعبة في لبنان ويخشون الأصعب في بلادهم (رويترز)

بين خيارين أحلاهما مرّ

وبلغت أعداد اللاجئين العائدين إلى سوريا من لبنان 540 ألف لاجئ منذ بدء تنفيذ خطة العودة الطوعية، بينما يوجد مليونان و80 ألف سوري على الأراضي اللبنانية، كما جاء في تصريحات مدير عام الأمن العام اللبناني اللواء عباس إبراهيم.

وينحدر معظم هؤلاء العائدين من مدن وأرياف سورية دمرت الحرب بنيتها التحتية جزئيا أو كليا، ويفتقر معظمها إلى الخدمات الأساسية ومقومات الحياة، بما في ذلك المراكز الصحية والأمنية.

وفي حديثه للجزيرة نت، قال الناشط الحقوقي والسياسي الدمشقي منصور -الذي اكتفى باسمه الأول- إن تلك المناطق لا يمكن أن تكون قابلة لإعادة التوطين، إلا إذا التزمت “كافة القوى المتنازعة بمسار الحل السياسي للحصول على أموال إعادة الإعمار التي من دونها لن تتمكن أي جهة من جعل تلك المناطق قابلة للسكن”.

ويقول أبو ريان -الذي وصل وعائلته الأربعاء الماضي إلى سوريا من مخيم عرسال اللبناني- “لا أعلم ما هو العمل الذي يمكنني أن أباشره هنا لأعيل أسرتي، ولكن منذ نزوحنا إلى لبنان عام 2013 لم أحصل على بطاقة الأمن العام اللبناني الضرورية للتنقل والعمل خارج المخيم”.

وأضاف -في حديثه للجزيرة نت- “وبذلك اضطررت للعمل في المقالع الحجرية وورش البناء في عرسال على الرغم من الأجر الزهيد (15 دولارا في اليوم)”.

ويتابع أبو ريان: “وقررنا العودة قبل حلول الشتاء، ففي العام الماضي لم ينقطع المرض عن أفراد عائلتي، وأصيب أولادي بأمراض البرد، وأوشك أحدهم على الوفاة لولا لطف الله، فالتمويل ضعيف والمازوت غال جدا والمدافئ -في حال توفر المازوت- بالكاد تكسر سم برد الخيام”.

في حين يعيش محمد (33 عاما) -النازح السوري العائد من لبنان منذ عام 2018 إلى مدينته في ريف دمشق- وعائلته في شقتهم وسط الركام، والتي تبعد عن أقرب سوق مسافة نصف ساعة مشيا على الأقدام.

يقول محمد للجزيرة نت إن “أكثر ما نعاني منه هو غلاء السلع الأساسية، والانقطاع الطويل لتيار الكهرباء الذي لا يصل إلا ساعة واحدة يوميا وبشكل متقطع، مما يجعل العمل والطهي والغسيل وتعبئة المياه وغيرها من أعمال المنزل مهام شاقة”.

ويعمل محمد مساعدا لميكانيكي سيارات في منطقة المليحة بالغوطة الشرقية في دمشق، ويتقاضى 70 ألف ليرة سورية (14 دولارا) أجرا أسبوعيا، وهو ما اضطره للسماح لابنه أيهم (13 عاما) أن يعمل في معمل لتقشير البطاطا في المنطقة عوضا عن الذهاب إلى المدرسة؛ لتغطية تكاليف المعيشة.

الجزيرة ترصد مشاهد الدمار بريفي إدلب وحلب جراء القصف المتواصل
مستقبل غامض ينتظر اللاجئين العائدين من لبنان في ظل الدمار الذي لحق بديارهم (الجزيرة)

ويقول الناشط الحقوقي منصور إن “اللاجئين في لبنان باتوا بين خيارين أحلاهما مر، ففي لبنان هناك انهيار اقتصادي منذ عام 2019، وشح في فرص العمل، ولم تعد الإعانات الغذائية مجدية إلا لفترات محدودة، في حين تقلصت المخصصات المالية لبعض اللاجئين وانقطعت عن آخرين عام 2021”.

ويتابع “وفي سوريا الواقع الاقتصادي والمعيشي ليس أفضل من لبنان على الإطلاق، ويعاني العائدون لتجهيز مساكنهم حتى تكون صالحة للسكن، ولتحصيل قوت يومهم والخدمات الضرورية وسبل العيش بالحدود الدنيا”.

ويرى منصور أن اللاجئين “قربان لمائدة سياسية تحضر مؤخرا بين النظام السوري والحكومة اللبنانية والجانب الروسي، لتلبية مصالح مختلفة للأطراف المذكورة”.

وعن طبيعة العائدين إلى سوريا، قال اللاجئ نورس رمضان (24 عاما) إن معظمهم من الشيوخ والنساء والأطفال، لأن الشبان يخشون العودة خوفا من الاعتقال أو التجنيد الإجباري في صفوف جيش النظام، حيث لا يثق هؤلاء بوعود الأمن العام اللبناني بإشعار المطلوبين منهم للنظام ليتخذوا التدابير الاحتياطية لذلك.

عودة لاجئين سوريين من لبنان Syrian refugee children gesture while sitting on a vehicle as they prepare to return to Syria from Wadi Hmayyed, on the outskirts of the Lebanese border town of Arsal, Lebanon October 26, 2022. REUTERS/Mohamed Azakir
البعض قال إن عودة اللاجئين السوريين من لبنان ليست طوعية وهي مخالفة للقانون الدولي (رويترز)

خطة العودة الطوعية غير موضوعية

وأكد تقرير منظمة العفو الدولية في 14 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، أن القانون الدولي يحظر على لبنان الإعادة القسرية للاجئين السوريين، وأن شرط العودة الطوعية ينبغي أن يستند إلى “موافقتهم الحرة والمستنيرة”.

واعتبرت ديانا سمعان نائب مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في المنظمة، أن “اللاجئين السوريين في لبنان ليسوا في موقف يسمح لهم باتخاذ قرار حر ومستنير بشأن عودتهم، بسبب سياسات الحكومة اللبنانية التقييدية المتعلقة بالتنقل والإقامة، والتمييز المتفشي، وعدم إمكانية الوصول إلى الخدمات الأساسية، فضلا عن عدم توفر معلومات موضوعية ومحدثة حول الوضع الحالي لحقوق الإنسان في سوريا”.

وكان جهاز الأمن العام اللبناني قد وفّر آلية يمكن من خلالها لأي لاجئ سوري تسجيل رغبته في العودة إلى سوريا منذ عام 2018، من خلال الاتصال بالسلطات السورية للتأكد من أن هذا الشخص غير مطلوب من قبلها.

وذكر الأمن العام -في بيان على صفحته الرسمية في فيسبوك الخميس- أن الدفعة الأولى من اللاجئين السوريين قد انطلقت بحافلات أعدتها السلطات السورية واللبنانية، حيث غادر 12 لاجئا من معبر المصنع، و12 آخرين من العبودية، و487 لاجئا من عرسال.

وتعرض برنامج ترحيل اللاجئين لانتقادات منظمات حقوقية، بما في ذلك منظمة العفو الدولية التي قالت إن تقاريرها تحدثت عن انتهاكات لحقوق الإنسان تعرّض لها عائدون في وقت سابق.

وشكل لبنان وجهة لمئات الآلاف من السوريين الفارين من مناطقهم، بعد اندلاع الحرب في بلادهم قبل 11 عاما.

ويشهد لبنان أسوأ أزمة اقتصادية ومعيشية بعد أن فقدت عملته المحلية 95% من قيمتها، وهو ما فاقم معاناة اللاجئين السوريين ودفع بالكثير منهم للعودة إلى سوريا.

Scan the code