التخطي إلى المحتوى

لكبيرة التونسي (أبوظبي) 

 لا تقل الصحة النفسية أهمية عن العافية البدنية، لكن نظرة المجتمع تجاه الأمراض النفسية، لا يزال يشوبها الكثير من التردد، حيث تؤثر بشكل كبير على مشاعر الشخص، ما يؤدي إلى تراجع النتائج المرجوّة من العلاج، مع ترسيخ ما يعرف بـ «وصمة العار». فكيف نحارب هذه الوصمة؟ وكيف نعزِّز الوعي المجتمعي بأهمية زيارة الطبيب النفسي؟ 
تمتُّع الفرد بصحة نفسية جيدة يساعده على تطوير قدراته ويجعله يتكيّف مع مستجدات الحياة بكل اقتدار، ويتيح له نمواً متكاملاً، إلا أن كثيرين يحجمون عن زيارة الطبيب أو الاستشاري النفسي عندما يشعرون بالحاجة إلى ذلك، بسبب نظرة المجتمع إلى العلاج النفسي الملتصق بـ «وصمة العار».
اختصاصيون في مجال الصحة النفسية، أكدوا أن «وصمة العار» المرتبطة بالمرض النفسي تنقسم إلى قسمين رئيسَين: وصمة العار الاجتماعية، ويُقصد بها السلوكيات المتحيّزة الموجهة ضد الأشخاص الذين يعانون من المشاكل النفسية، ووصمة العار الشخصية، وهي ما يشعر به الشخص الذي يعاني من اضطرابات تجاه مرضه، ما يؤثر على مشاعره، ويؤدي إلى تراجع النتائج المرجوّة من العلاج.

  • أجينيسكا ويلتنكسا
    أجينيسكا ويلتنكسا

العلامات الأولى
الدكتورة أجينيسكا ويلتنكسا استشارية الطب النفسي الإكلينيكي في مدينة برجيل الطبية وأستاذ علم النفس في جامعة الإمارات، أشارت إلى أن العلاج النفسي أصبح حاجة ملحة، لاسيما مع ما الضغوط التي لا يمكن حلها داخل الأسرة كما كان في السابق.  
وقالت: إن الشخص المُدرك يعرف أن التوتر الذي يؤثر على الصحة العقلية والبدنية يحتاج إلى التخلص منه، موضحة أن العلاج النفسي شفاء وقد لا يحتاج إلى أدوية، وإنما إلى جلسات قليلة لترتيب الأفكار. وتركز بعض المناهج مثل العلاج السلوكي المعرفي على تقنيات محددة للتعامل مع التوتر والخوف والحزن ومشاكل النوم والإفراط في تناول الطعام، وتركز تقنيات أخرى على التجارب المؤلمة وعلى الماضي، حيث يستخدم يمكن للمعالج النفسي تقنيات تغيير الأفكار والمشاعر والسلوك.
وترى ويلتنكسا أن التدخل المبكر بالغ الأهمية، قبل أن تبدأ المشاكل بالتراكم، كالشعور بالوحدة والغرق في أفكار مقلقة. وهذه الأعراض هي العلامات الأولى التي يجب معها التوجه إلى المعالج النفسي، قبل أن تتحول إلى اكتئاب أو اضطرابات في الأكل أو صراعات عقلية. وهذه المشاكل ما لم تُعالج، تؤثر على الصحة الجسدية، وقد تؤدي إلى ارتفاع ضغط الدم أو الإصابة بأمراض القلب.

  • خوله الجابري
    خوله الجابري

التدخل المبكر
لا تكتمل الصحة الجسدية بدون الصحة النفسية، هذا ما أكدته خولة خالد الجابري اختصاصية علم النفس في مدينة برجيل الطبية. 
وقالت: عدا عن أهمية العلاج النفسي وتأثيره على الصحة الجسدية، كطريقة التفكير والشعور والتصرفات، فهو يساعد في تحديد كيفية التعامل مع التوتر والضغوطات والتواصل مع الآخرين. 
وأوضحت أن اتخاذ القرارات الصحة النفسية مهم في كل مرحلة من مراحل الحياة، والعلاج النفسي يساعد على تعلم كيفية التعامل مع متغيرات الحياة وتحمل المواقف الصعبة من خلال المهارات المكتسبة في العلاج.
وشددت الجابري على أهمية التدخل المبكر تجنباً لبعض التعقيدات المصاحبة، والتي تؤثر على الصحة الجسدية. وإذا تم التركيز على المشكلة مبكراً يتبين أساسها بهدف التحكم بها قبل أن تتضخم. 

  • لارا لطيف
    لارا لطيف

 تصحيح المغالطات
شريحة كبيرة من مختلف المجتمعات تعتقد أن الاختصاصيين النفسيين يعالجون فقط مشاكل الصحة العقلية. هذا ما ذكرته لارا منير لطيف اختصاصية علم النفس السريري في مدينة الشيخ شخبوط الطبية بالشركة مع «مايو كلينك»، موضحة أن ذلك مناف للحقيقة. فالنفس تتطلب العلاج كما الجسد، حتى لا تعتل وتتفاقم حالتها، والتعرض إلى ضغوط يومية ربما تبدو صغيرة، مثل الخجل ورهاب التحدث أمام الناس وتحسين الثقة بالنفس واحترام الذات، مشاكل يمكن علاجها والتعامل معها. 
وأوردت أن كثيرين يخشون نظرة الآخرين الذين قد يطلقون عليهم أحكاماً مسبقة، وذلك ربما يعود إلى التربية التي تشجع على إخفاء تلك المشاكل وعدم الحديث عنها، ما يضع الحواجز أمام الحصول على استشارة متخصصة.
وشددت لطيف على ضرورة التغلب على هذه الأفكار، مؤكدة أن ذلك يتطلب المزيد من التواصل والقيام بحملة توعية في المدارس وإثراء الحوار حولها على منصات التواصل الاجتماعي، وشرح فوائد العلاج مثل الحفاظ على السرية، ومن هم الأشخاص الذين يحتاجون إلى العلاج. وأوضحت أن العديد من الدراسات أكدت أن الحالات النفسية ازدادت منذ عام 2020، وارتفع الطلب على العلاج النفسي منذ انتشار الجائحة، مؤكدة أن من أكثر المشاكل شيوعاً الاكتئاب والقلق والتوتر وصعوبة التكيف مع مواقف الحياة ونوبات الهلع والرهاب.

  • أحمد الألمعي
    أحمد الألمعي

حملات توعية
الدكتور أحمد الألمعي رئيس قسم الطب النفسي في مركز «أرامكو جون هوبكنز الطبي» بالسعودية، أكد أن الكثير من المرضى يتجنبون الذهاب إلى الطبيب النفسي بسبب «الوصمة الاجتماعية» ‏التي قد تنتج عن مراجعة العيادة النفسية، لافتاً إلى أن هذه الوصمة ليست حكراً على مجتمع دون سواه حيث لاحظ وجودها ‏أثناء إقامته في ‏الولايات المتحدة الأميركية لأكثر من 20 عاماً. وقال: هي موجودة بشكل قوي في المجتمعات الشرقية، لكن الفرق أن حملات التوعية تنتشر في الغرب بشكل كبير. وتشمل اكتئاب ما بعد الولادة وأمراض القلق وسواها من الأمراض النفسية التي تتسبب بآفات اجتماعية كبيرة، مثل الإدمان على الكحول والمخدرات. وذكر أن المجتمع العربي ينظر إلى المريض النفسي بصورة ‏تعكس ‏الإحساس بالعار ‏وشعور أفراد الأسرة بالخجل، ما ‏يشكل عقبة في سبيل الحصول على العلاج ‏اللازم، مع وجود مغالطات ‏بمفهوم الأدوية النفسية، التي يعتقد كثيرون أنها تتسبب بالإدمان، وهي معتقدات خاطئة.

  •  دولي حبال
    دولي حبال

عن بُعد
تشاطر الدكتورة دولي حبال اختصاصية علم النفس، رأي باقي الاختصاصيين فيما يتعلق بنظرة بعض الناس إلى العلاج النفسي، مؤكدة على ضرورة التوعية وأهمية العلاج. وأوضحت أن انتشار التحديات الحياتية والاجتماعية والاقتصادية والعائلية، عوامل قد تتسبب بخلل في الاستقرار النفسي، لاسيما أن الصحة النفسية تؤثر على الصحة الجسدية والعكس صحيح. وذكرت أن العلاجات التي تتناول السلامة العقلية، شهدت في السنوات العشرين الأخيرة تحسناً ملحوظاً، بالرغم من أن كثيرين يقرّون بعدم تلقيها أو عدم متابعة العلاج بسبب «وصمة العار» التي تلتصق بهم، لاعتقادهم بأنها تدل على مفهوم خاطئ لا أساس له من الصحة.
 وشددت حبال على أهمية تعزيز الوعي بأهمية العلاج النفسي وتصحيح النظرة الدونية له، بالحديث عن فوائده وأهميته للصحة النفسية والعقلية والجسدية. وأكدت على أهمية العلاج «عن بُعد»، لاسيما أنه يجنب المريض الحرج ويساعده على الحديث بكل حرية وتلقائية، ومن ميزاته أيضاً إمكانية الوصول إلى المعالج والتكلفة والخصوصية، كما يختصر الوقت والمسافات ليصبح الشخص أكثر صحة وسعادة.

أكثر وعياً
أكدت الدكتورة أجينيسكا ويلتنكسا أن «وصمة العار» لا تزال موجودة في معظم المجتمعات، لكنها أقل من ذي قبل، لأن الناس باتوا أكثر وعياً ويزورون الاستشاريين النفسيين في كثير من الأحيان، ولاسيما الإناث. وأوضحت أن البعض يخشون من مشاركة المعلومات عنهم ظناً بأنها قد تؤثر على حياتهم العائلية أوعملهم، ما يمنعهم من الذهاب إلى المعالجين النفسيين، ما يؤدي بالطبع إلى صعوبات خطيرة، إذ إن العلاج النفسي في وقت مبكر، ضروري للشعور بالرضا.

العلاج بالكلام
أكدت لارا لطيف أن العلاج النفسي المعروف أيضاً باسم «العلاج بالكلام» ساعد ملايين الأشخاص في التغلب على مشاعر الألم من ماضيهم وتطوير استراتيجيات التأقلم مع المستقبل، وتوضيح مَن هم وماذا يريدون من الحياة. كما يتيح استكشاف حالاتهم المزاجية وسلوكياتهم في مكان آمن، وقد يقدم الاختصاصيون النفسييون منظوراً جديداً لقضية ما تهمهم، وفهماً أفضل لمشاعرهم، ما يعزز احترامهم الذاتي وعلاقاتهم ونظرتهم إلى الحياة. وذكرت أن العلاج النفسي يحتاج إلى إرادة وقرار، ويوفر الراحة من الأعراض وتعلم كيف يكون الأشخاص على طبيعتهم مرة أخرى.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *