التخطي إلى المحتوى

تركزت الأضواء خلال الأيام الماضية على تكتل نواب التغيير بسبب الوقائع والنتائج التي خرجت بها جلسة انتخاب اللجان النيابية والتي اتبعت بانسحاب اول نائب منه هو الدكتور ميشال الدويهي.

والواقع ان تكتل نواب التغيير بات تحت الأضواء منذ انتهاء الانتخابات النيابية الأخيرة في أيار الماضي بسبب أهمية هذه الظاهرة ليس في لبنان فقط، بل في منطقة الشرق الأوسط ككل، والسبب ان لبنان بات الدولة الوحيدة التي أوصلت نوابا الى مجلس النواب بعد انتخابات سبقتها انتفاضة شعبية.

ففي سوريا انتهت الانتفاضة الشعبية الى مواجهة مسلحة وتدمير سوريا، اما في العراق فقد عاش ويعيش منذ الانتخابات النيابية الأخيرة اضطرابات متنقلة لم تؤد الى أي استقرار اجتماعي او سياسي، ناهيك بالسودان المتعدد الاتقلابات والتظاهرات وصولا الى الاضطراب الضارب مؤخرا في تونس. لذلك ولهذه الأسباب باتت التجربة اللبنانية بإفرازاتها الأخيرة تحت مجهر المراقبة والمتابعة على الرغم من ان نواب التغيير لم يتجاوز عددهم الـ 13 نائبا، والذين أحدثوا بمجرد فوزهم ارتدادات ونتائج مهمة كان ابرزها ازالة جدران الباطون المسلح من وسط بيروت وفتح الطرق امام بعض الهواء النظيف املا بانطلاق مسيرة نهوض بعد اسوأ واعمق انهيار اقتصادي منذ اكثر من قرن.

كل الاضواء تركزت على نواب التغيير لاستكشاف ما يمكن ان يحملوه معهم الى داخل قاعات مجلس النواب، الا انهم من البداية قدموا الاثارة الشكلية على التغيير الجوهري فدخل اغلبهم الى قاعة البرلمان بزي موحد “سبور” منتعلين احذية رياضية وسراويل جينز بدل اللباس الطبيعي كباقي النواب، مما اوجد مسافة بينهم وبين النواب الاخرين لم يشعر بها الناس او تؤثر على جوهر حضورهم.

الاثارة الاعلامية والشخصية غير الضرورية من نواب التغيير بلغت حدها الاعلى غير المسبوق، اذ بمجرد ان تلفظت النائبة الجديدة سنتيا زرازير بالكشف عن محتويات مكتبها الجديد الذي تسلمته في المبنى المخصص للنواب، من مجلات اباحية وأدوات للاستخدام الجنسي مع ما رافق ذلك من اتهامات بالتلطيش والتنمر تعرضت له من زملاء لها، حتى أصدرت منظمة العفو الدولية بيانا يحذر إدارة البرلمان اللبناني من ما تتعرض له النساء، حيث قالت انه “من المعيب أن تتعرّض النائبات في مجلس النواب اللبناني، خصوصاً اللواتي ينتقدن السلطات، للمضايقة من نظرائهنّ الرجال”.

هذا لا يعني ان ما تعرضت له زرازير من تنمر من زملاء لها مقبولا، لكن ما وجدته في مكتبها قد لا يكون مقصودا، وهو على الاغلب نتيجة اهمال متراكم.

الا ان الاهتمام لم يقتصر على ما اثارته اعتراضات زرازير على التلطيش الذكوري فقط، بل انتقل الى أسلوب التعاطي الرئاسي مع الزميلات الجديدات عبر رفض حليمة القعقور للأسلوب البطريركي للرئيس نبيه بري ما دفع أحد النواب النبهاء للدفاع عن البطريركية المارونية ومقامها!

الاثارة غير المبررة التي ولدتها الاحتكاكات الاولى لنواب التغيير مع التقاليد والجدران البرلمانية لم تقتصر على القشور بل سرعان ما تكشفت عن أمور جوهرية أخرى.

لم يتمكن التغييريون الـ 13 من التوصل الى تشكيل كتلة نيابية واحدة موحدة. بل أعلنوا انهم عبارة عن تكتل نيابي وليس كتلة، أي تجمع وليس مجموعة. والفرق كبير بين الاثنين، الكتلة عادة ما تنبثق عن حزب واحد او رؤية واحدة اما هم فقد وصلوا الى البرلمان من اتجاهات مختلفة سياسية وفكرية كل يحمل مقاربته ورؤيته.

فحليمة القعقور من “حزب لنا” وهو حزب حديث الولادة والتكون يقول انه “ديمقراطي اجتماعي يهدف إلى إحداث تغيير جذري في السّياسة وفي المجتمع في لبنان، ويقول انه قائم على مبدأ ” انه لا يترك احداً

اما مارك ضو فهو الى جانب الدكتورة نجاة عون من “حزب تقدم”، وهو ايضا كما يقول “حزب ديموقراطي وتقدمي يعمل من أجل العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة”.

اما النائب وضاح الصادق فهو محرك مجموعة “خط احمر” التي ظهرت في  انتفاضة 17 تشرين وتحولت مؤخرا الى حزب.

 عمل صادق سابقا في الصحافة الرياضية وشغل منصب رئيس قسم الصحافة الرياضية في تلفزيون المستقبل ويملك شركة تدير وتؤجر لوحات إعلانية على الطرق وكان يهتم بالعلاقات العامة وحملات التسويق.

اما المهندس إبراهيم منيمنة فمعروف انه محرك حملة “بيروت مدينتي” الشهيرة التي ساهمت في إطلاق الإشارة الاعتراضية الأولى على سياسة تيار المستقبل في العاصمة بيروت. وبطبيعة الحال فان النقيب ملحم خلف قد حمل على اكتافه راية تجربة فرح إلعطاء ونقابة المحامين في وجه المعادلات والتصرفات القانونية الجامدة.

يبقى النائب الدكتور ميشال الدويهي الاستاذ في الجامعة الامريكية وابن الاكاديمي شوقي الدويهي وصديق المرشح الدائم منذ الانتفاضة لرئاسة الحكومة الدكتور القاضي نواف سلام.

الدويهي الذي كان اول المنسحبين من التكتل التغييري هو مؤسس مجموعة “زغرتا تنتفض”، وصولاً إلى إطلاق تحالف شمالنا الذي شارك وواكب الانتفاضة الشبابية. إضافة الى الشخصيات الأخرى في التكتل بينها أبرز رموز الانتفاضة في الجنوب والبقاع من الدكتور الياس جرادي الى الناشط والمناضل ياسين ياسين في البقاع الى الجريح الدائم الحامل لرصاصته قرب قلبه الشاب المندفع فراس حمدان مسقط المصرفي الشهير مروان خير الدين.

وكل ذلك من دون ان ننسى النائب المخضرمة بولا يعقوبيان الإعلامية السابقة وصاحبة المقابلة الشهيرة في العربية السعودية يوم احتجز الرئيس سعد الحريري.

باختصار لم يتمكن التغييريون من الاجتماع على خط سياسي واحد او منهج تعاط مشترك، سوى معارضة ومواجهة المنظومة تحت شعار عدمي شامل “كلن يعني كلن”. حتى انهم فشلوا في الاتفاق على نظام داخلي لطرق واليات عملهم وهذا ما أصاب مؤيديهم ومناصريهم بالارباك والحيرة.

قد يكون أوان الحكم على تجربة هذه المجموعة النيابية مبكرا حتى الان، لكن التجربة المعاشة التي ظهرت منهم ما تزال تحت المراقبة بالرغم من كثرة الاشارات السلبية الارتباكية المسيطرة والطاغية، اذ انها أتت بالكثير من الملاحظات والاشارات غير السارة او المفهومة.

لم يكن مفهوما ولن يصبح، ان نواب التغيير اقترعوا لرجل الاعمال سليم اده لرئاسة الجمهورية من دون ان يكون هو قد حسم امره في الترشح لهذا المنصب!

ما شهدته جلسة انتخاب اللجان النيابية شكل صدمة للمتابعين والمؤيدين على حد سواء وقد وضع هذه المجموعة امام أسئلة صعبة.

فمن المعروف ان إبراهيم منيمنة عضو في لجنة المال والموازنة منذ انطلاقة عمل المجلس الحالي، وعضويته تشكل اضافة ايجابية جدية لاعضاء اللجنة المجربة والخاضعة في احيان كثير لشعبوية التيار الوطني الحر وغرضياته الكثيرة.

 لم يكن مفهوما ان يترشح في وجه منيمنة زميله النائب مارك ضو في تصرف شخصاني غير مبرر مما ساهم في توزع الأصوات وتشتت القوى وافقاد منيمنة عضويته في لجنة المال التي دخلها بدلا عنه النائب عن جمعية الاحباش عدنان طرابلسي!

غريب هذا التصرف الذي لا يمكن إيجاد تبرير له.

هل يدرك نواب التغيير ان نواب المنظومة حسب وصفهم لا ينظرون إليهم بعين القبول والترحيب. وكانوا يعدون العدة لإفشالهم والاجهاز عليهم فاقدموا هم على تقديم تراجعهم على طبق من فضة؟

ليس مقنعا لاحد ان يربط الفشل بالموقف العدمي التقليدي القائل ان المنظومة عملت ضدنا، اذ ان هذا امر طبيعي.

ما هو معروف ومسلم به ان اغلب النواب الاخرين لا يريدون هذه المجموعة التي تصرفت في أحيان كثيرة باستعلاء تجاه النواب الاخرين فجاء تصرفهم في أحيان متعددة ليخدم التوجه لتطويقهم.

وقع نواب التغيير في خلط قوي بين التطلعات والإمكانات والشعارات المرفوعة والممارسات الشعبوية غير المفهومة.

كيف يمكن تفسير ان شركة ITS. Communication التي يملكها النائب في تكتل التغيير وضاح الصادق اجرت استطلاعا للراي عن المرشح المحظوظ لرئاسة الجمهورية فحل أولا بنتيجته جبران باسيل و سرعان ما سرب الاستطلاع الى صحيفة الاخبار المقربة من باسيل وحزب الله، فاين اصبحت هنا الحيادية والموضوعية والمسافة عن المنظومة واحزابها؟

وكيف يمكن قبول ان النائبة زرازير العضوة في تكتل يدعو لتطبيق القوانين واحترام الدستور والرافض للتنمر الذكوري ان تقدم على اقتحام أحد المصارف لاسترداد وديعتها بمساندة من زميلتها قعقور بحجة الحصول على حقوقها، وهل يعني ذلك ان بقية ناخبيها يجب ان يتصرفوا على طريقتها؟

إذا لم يقم مجلس النواب بتشريع قانون نافذ لاستعادة اموال المودعين بطرق طبيعية، فهل استعادتهم بالقوة من قبل المودعين هي الطريق السليم؟

غريب امر هؤلاء النواب الجدد، كيف يمكن القبول انهم وصلوا الى مجلس النواب للتغيير ولم يفكروا حتى الان او يتحدثوا عن قانون محدث للانتخابات النيابية ولم يطرحوا فكرة جديدة عن تغيير ممكن في القانون الحالي؟

او استكمال تطبيق الطائف بالانتقال الى الغاء الطائفية السياسية.

يبقى السؤال هل سيبقى نواب التغيير الذين نقص عددهم على الاستراتيجية العدمية المتخبطة في التصرف، ام سينتقلوا الى ارض الواقع اللبناني وحاجات الناس الكثيرة والمهمة؟

 

 

 

 

Scan the code