التخطي إلى المحتوى

نوف الموسى (دبي)

استحضرت الفنانة المفاهيمية الإماراتية موزة المطروشي السؤال الوجودي عن المعنى والقيمة الأساسية من عملها كفنانة إبان الأزمة الصحية المتعلقة بـ«كوفيد- 19»، بالأخص بعد إنجازها لدراسة الماجستير في الفنون الجميلة من «مدرسة سليد للفنون الجميلة» في لندن بالمملكة المتحدة في عام 2019، كانت تتحدث طوال حوارها مع «الاتحاد»، عمّا لهذا السؤال من تجربة عميقة متداخلة في اللحظة الإنسانية اليومية، فلا يُمكن لها أن تستشعر الوهم الفاصل بين الفنان وحياته، فكل شيء يدور حول إمكانية الإبداع، وتحويله إلى مسارات تعبيرية، مهمتها أن تطيل الزمن في العلاقة البديعة بين أعمال الفنان والجمهور، ولا يمكن تحقيق ذلك بحسب الفنانة موزة المطروشي دونما مساحة آمنة، تخلو من الأحكام المسبقة، توفرها الاستوديوهات الفنية، ويُسمح فيها بدهشة السؤال ليقودنا جميعاً إلى التراكمية المعرفية لسنوات عدة، وتصل بنا إلى توسيع النطاق المجتمعي لتذوق الفنون، والإقبال عليها باعتبارها إحدى المرتكزات الأساسية في مكوننا الإنساني، خاصة أن المعارض الفنية في دولة الإمارات، أصبحت تطرح موضوعات مهمة تجسد الرؤى المحلية والمقاربات العالمية وفق استراتيجية وطنية لبنى تحتية تشتمل على مؤسسات ومتاحف ومواسم ثقافية، مشكلةً جميعها بذوراً  لمرحلة السنوات الـ10 القادمة، من تجسيد النمو الإبداعي في التجربة المجتمعية ككل. 

  • موزة المطروشي «من المصدر»
    موزة المطروشي «من المصدر»

فضاءات النحالين
اختارت الفنانة موزة المطروشي، أن تذهب لزيارة نحالين في منطقة حتا، في الفترة ما بعد انتهاء الحظر، على أثر أزمة «كوفيد 19»، تقول إنها خلال تلك المرحلة الفارقة كانت تشارك بأعمال فنية كانت قد أنجزتها مسبقاً، وقررت أن تبحث دون توجيه لطاقتها الإبداعية، وأن محاولتها لاكتشاف العسل وفضاءات النحالين، لن تكون سوى استكمال لدراستها لهذا المجال، بعد توصلها لقلة توفر الدراسات المحلية، التي لا توازي الكم النوعي للدراسات العالمية، وهي شخصياً مغمورة بالنحل والعسل كفكرة فنية، فأثناء زيارتها للنحالين واستماعها لتفاصيل رحلتهم بين مواسم أشجار السدر والغاف والسمر، وانتقالهم من مكان إلى آخر، إضافة إلى الظروف التي تتم فيها عملية هجرة النحل، استشعرت كيف لعمق البيئة الطبيعية أن يحدث استدلالاً يثير بعداً مماثلا للمجتمعات البشرية وتحولاتها، ما جعلها تفكر في تحويله إلى مشروع فني، باستخدام عدسة الكاميرا، التي توظفها عادةً في أعمالها، كسارد رئيسي للمشهدية الإبداعية، إلى جانب انغمارها في العروض الحيّه، والوسائط الصوتية والأعمال النصية، في مسيرتها الفنية التي تضمنت إشرافها على العديد من المشاريع الفنية في دولة الإمارات.   

إقامات فنية
تؤمن الفنانة موزة المطروشي، بأن لكل فنان عضلات إبداعية، تتطلب مساحة تستوعبها وتقويها، فبالنسبة لها متى ما شعرت أنها عالقة في مرحلة معينة، من إنتاجها للأعمال الفنية، فإنها تقرر مباشرة أن تبحث عن إقامات فنية، سواء ذات بعد أكاديمي أو استوديوهات فنية للممارسة الإبداعية، تتيح لها السفر إلى مكان مختلف وعيش مساحة مغايرة، ما يساهم في خلق حوار جديد بينها وبين المساحة الفنية، وقالت ضمن دعوة وجهتها للفنانين الناشئين: «نحن نعيش كأفراد في حالة تقوقع، وهي تجربة موجودة في أغلب المجتمعات عموماً، لذا فإن الشخص عليه أن يغير من قوقعته إلى قوقعة أخرى إن جاز لي التعبير، والذي من شأنه أن يطور طريقة التفكير لدينا، حصلت لي فرصة لإقامة فنية في المكسيك بقرية صغيرة، تبعد عن مدينة مكسيكو قرابة 5 ساعات بالسيارة، وهي عبارة عن غابة في الأساس، لكن بوصولنا إليها رأينا فيها مزارع الموز والليمون، ورغم الإعجاب الذي قد يبديه الناظر إليها، إلا أننا عندما نكتشف أنها إحدى آثار الاستعمار الأسباني، الذي أثر بشكل سلبي على القيمة الطبيعية للغابة وحولها إلى ثقافة المزارع، نتأمل الاحتمالات اللانهائية لكيفية تناولنا للمفاهيم ومناقشتها، في مكان ولغة مختلفين تماماً عما اعتدنا عليه، وشخصياً الإقامة الفنية ألهمتني للتفكير بمسألة الزراعة وأبعادها علينا في المجتمعات المحلية، وتأثيرها على بيئاتنا الطبيعية، ودفعتني لاستكمال مشروع دراسة النحل والعسل».

إثراء الوعي الفكري
في سياق تطور المساحات الفنية بدولة الإمارات، سردت الفنانة موزة المطروشي، محركاً جوهرياً بدأ يلقي بظلاله على المجتمع الفني، من خلال برنامج منحة مؤسسة سلامة بنت حمدان آل نهيان للفنانين الناشئين، والتي هي بمثابة «زمالة»، حيث استطاعت بعد تخرجها من المنحة أن تقوم الفنانة موزة المطروشي بتدريس الدفعتين «الثامنة» و«التاسعة» من البرنامج، واصفةً كيف ترفد تلك البيئات المعرفية الخبرات المؤهلة سواء في دولة الإمارات أو من يذهب للدراسة في الخارج، فبمجرد عودتهم يمارسون التدريس والعمل في المؤسسات الثقافية، ما يهديهم إدراكاً معرفياً بمضامين السياسات الثقافية والاجتماعية، والمساهمة في تطويرها بما ينسجم مع دعم الفضاءات الفنية، وخاصة الحوارات التي يتم تناولها ومناقشتها في ثقافة الاستديوهات الفنية، التي تعد بمثابة صالونات ثقافية، عُرفت على مر تاريخ الفن والفنانين في العالم، بكونها مساحات لإثراء الوعي الفكري في مختلف المفاهيم والرؤى الإنسانية.

التعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *