التخطي إلى المحتوى

لم يكد بيان مصرف لبنان يدخل حيّز التنفيذ يوم الثلاثاء، خافضاَ سعر الدولار من فوق الأربعين ألفاً إلى حدود الـ35، حتّى عاد إلى الارتفاع إلى حدود الـ37 أمس. وهناك توقّعات بأن يهبط الإثنين المقبل إلى عتبة 32 أو 33 ألفاً.

فما هي أسباب هذا الارتفاع؟

وما كان دور الصرّافين خلال الأيام الماضية؟

ولماذا قد يعاود الدولار الهبوط الإثنين، يوم خروج ميشال عون من بعبدا؟

في النقاط التالية محاولة للإجابة:

1-“الشيكات المصرفية”: بدا لافتاً في اليومين الماضيين دخول “الشيكات المصرفية” بالليرة اللبنانية مجدّداً ملعب “السوق السوداء”، التي شهدت حركة لافتة، قيل إنّ بعض المصارف قد تكون خلفها كوسيلة لتعزيز سيولتها تمهيداً لمواجهة قانون “هيكلة المصارف”. بمعنى أنّ بعض المصارف باعت أرصدةً لديها، مقابل دولارات “فريش” على نسبة 25%. أي مقابل 75 مليون ليرة “فريش”، باعت المصارف أرصدة بـ100 مليون ليرة. واشترت المصارف بهذه الليرات، دولارات “فريش” من السوق السوداء”. ما زاد الطلب على الدولار، فعاد سعره إلى الارتفاع.

بدا لافتاً في اليومين الماضيين دخول “الشيكات المصرفية” بالليرة اللبنانية مجدّداً ملعب “السوق السوداء”، التي شهدت حركة لافتة

2- ظاهرة “الكشوفات”: وهي تشبه إلى حدّ بعيد ما يُعرف بالـFutures في عالم المضاربة بالأسواق المالية والأسهم. وهي تعني أنّ مضاربين، على مجموعات “واتساب” و”تليغرام” مغلقة أمام العامة، كانوا باعوا دولارات بسعر 40 ألف ليرة، قبل صدور بيان مصرف لبنان. فإذا باع مضارب 100 دولار بـ4 ملايين ليرة، فإنّه لن يجد ضرراً في أن يشتري 100 دولار بـ37 ألف ليرة، وحتّى بـ38 ألف ليرة، في حين أنّ سعرها في السوق كان 34 او 35 ألفاً قبل أيام. لأنّه سيبيعها بـ40 ألفاً للزبون الذي “ثبّت” معه. وبالتالي هذا ما رفع السعر من حدود الـ34 إلى حدود الـ37 وأكثر بعد يومين فقط من الانخفاض.

وهذا يعني أيضاً أنّ لعبة “العرض والطلب” التي كان يراهن عليها رياض سلامة من أجل خفض سعر صرف الدولار سريعاً، علقت في شباك المضاربين الجشعين، فأخّرت خطته لأيام، وهو ما بدأ يشير إلى صعوبة سيطرة مصرف لبنان على السوق 100%، خصوصاً إن لم يكن عرضه للدولارات كثيفاً وقادراً على “غمر” الجميع (مواطنين ومضاربين وصرّافين) بالعملة الخضراء.

3- ضعف “صيرفة”: تشير الأرقام الواردة يومياً من مصرف لبنان إلى أنّ حجم التداول على منصة “صيرفة” كان ضعيفاً، إذ بلغ التداول يوم الثلاثاء 40 مليون دولار فيما بلغ 30 مليون دولار فقط يوم الأربعاء، وذلك بخلاف تداول يوم الاثنين الذي سجّل 80 مليون دولار. وهذا يدلّ على أنّ المصرف المركزي لم يوقف تدخّله في السوق إلّا في صباح يوم الثلاثاء.

يشير هذا الأمر أيضاً إلى أنّ إقبال المواطنين على المصارف لشراء الدولارات عبر منصة “صيرفة” لم يكن بحجم الآمال المعقودة، والسبب في ذلك يعود إلى السقف الذي رسمه مصرف لبنان لجميع المودعين، وهو 400 دولار شهرياً فقط. كان عدد كبير من المودعين يظنّ أنّ السقف سيكون مفتوحاً على غرار المرّات الماضية (إبّان تشكيل حكومة ميقاتي)، ولهذا انكبّوا في الأسابيع الماضية على بيع الدولارات وجمع الليرات استعداداً لليوم الموعود، لكنّهم فوجئوا بهذا السقف، فعاد “المستعجلون” منهم مجدّداً إلى الصرّافين لشراء الدولار منهم. وهذا بدوره دفع الصرّافين إلى رفع السعر من أجل تحقيق المزيد من الأرباح. كما أنّ التسريبات التي شاعت في الأسابيع الماضية عن قرب إعلان مصرف لبنان عن بدء بيع الدولارات مع نهاية العهد، دفعت بالصرّافين أنفسهم إلى حمل الليرات أيضاً، فأمسى الطرفان، مواطنين وصرّافين، يبحثان عن الدولار في آن واحد.

لكنّ بعض هؤلاء فضّلوا التريّث حتى يوم الاثنين، إذ تشير معلومات مصرفية لـ”أساس” إلى احتمال رفع مصرف لبنان لهذا السقف إلى حدود 2.000 أو 3.000 دولار، وهذا سيساهم حتماً في توجّه المواطنين إلى المصارف لا الصرّافين من أجل الحصول على الدولارات، مؤدّياً إلى انخفاض الدولار إلى السقوف المذكورة أعلاه، الذي ستساهم فيه أيضاً أجواء التوقيع على ترسيم الحدود مع إسرائيل، وربّما تشكيل الحكومة المنتظرة.

تشير المعلومات إلى أن “المركزي” استطاع أن يجمع خلال الأسابيع الماضية قرابة 450 مليون دولار نتيجة تدخّله في السوق، وهذا كان السبب الجوهري خلف وصول سعر الصرف إلى 40 ألفاً

هل الهبوط عمره طويل؟

قد يكون رياض سلامة الشخص الوحيد القادر على الإجابة عن هذا السؤال، لأنّ الأمر متعلق بقدرته على الاستمرار في التدخّل في السوق بائعاً للدولار. تشير المعلومات إلى أن “المركزي” استطاع أن يجمع خلال الأسابيع الماضية قرابة 450 مليون دولار نتيجة تدخّله في السوق، وهذا كان السبب الجوهري خلف وصول سعر الصرف إلى 40 ألفاً. ولهذا كان وقع إعلانه وقف التدخّل في السوق يوم الأحد كفيلاً بهبوطه نحو 4 آلاف ليرة خلال ساعات. لكن على الرغم من ذلك، فإنّ ملايين سلامة الـ450 قد يكون طريق تبخّرها مرسوماً بشكل مُسبق:

أوّلاً، من خلال سلفة الكهرباء التي وعد بمنحها إلى مؤسسة كهرباء لبنان، وبما يعادل 100 مليون دولار شهرياً (قد تكفي لـ4 أو 5 أشهر إلى حين التوصّل إلى حلّ مع المصريين والأردنيين). حيث يفترض أنّ واشنطن ستعطي الضمانة الكافية لمصر بعدم تعرضها بعقوبات لاحقة جراء مرور الكهرباء المصرية في الأراضي السورية. وذلك بعد التوقيع اللبناني – الاسرائيلي على اتفاقية تقاسم حقول النفط.

ثانياً، بعد دخول الموازنة حيّز التطبيق، يُنتظر أن يحصل موظّفو القطاع العام على رواتب مضاعفة 3 مرّات. وهذا يعني أنّ سلامة قد يعود صاغراً إلى التدخّل في السوق في حال قرّر منح الموظفين رواتبهم بالدولار بموجب “صيرفة” نهاية تشرين الثاني المقبل، أو قرّر دفع الرواتب المُحدّثة بالليرة اللبنانية مسبّباً المزيد من التضخّم. في كلتا الحالتين سنكون أمام مسلسل جديد من تحليق الدولار.

ثالثاً، بداية تطبيق الرسوم والضرائب الجمركية على سعر الصرف الجديد 15 ألفاً، التي ستدفع بدورها إلى رفع أسعار السلع والخدمات، وتؤدّي حكماً إلى ارتفاع سعر صرف الدولار في “السوق السوداء”، نتيجة الطلب الإضافي على الدولارات الخضراء.

عون

لكن بمعزل عن هذا، فإنّ ما سيكسبه سلامة من هذه “الأرانب” هو أمر بسيط، ولا يتعدّى حدود التهدئة من روع “جنون” الدولار، وبالتالي رسم “تقليعة” جديدة للعملة الخضراء من عتبة 32 أو 33 ألفاً، بدلاً من عتبة 40 ألفاً… وهذا جلّ ما يمكنه فعله وفق المعطيات السياسية الحالية.

Scan the code