التخطي إلى المحتوى

تصدّر تصريح الرئيس اللبناني ميشيل عون العناوين بإعلانه عزم بلاده البدء في إعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، غير أن هناك من يعتقد أن ذلك مجرد تسويق سياسي لرئيس أوشك على المغادرة، سيما وأن الأمر غاية في التعقيد.

يستضيف لبنان ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري، وفي الصيف الماضي، قالت السلطات اللبنانية إنها مستعدة بالتعاون مع الحكومة السورية لإعادة السوريين على دفعات تصل إلى حوالي 15 ألف لاجئ كل شهر.

في وقت سابق من هذا الشهر، أعلن الرئيس اللبناني ميشيل عون أن بلاده ستبدأ قريباً في  إعادة اللاجئين السوريين إلى بلادهم. وقال عون على تويتر الأسبوع الماضي إن “إتمام هذا الاتفاق سيبدأ من الأسبوع المقبل مع بدء إعادة النازحين السوريين إلى بلادهم على دفعات”.

وتصدر الإعلان عناوين الصحف العالمية وأدانت منظمات حقوق الإنسان على الفور الخطة المقترحة. ولكن في الوقت نفسه، ساد الكثير من الالتباس حول ما كان يتحدث عنه عون بالفعل، وربما الأهم من ذلك، عدد اللاجئين السوريين الذين سيتم إعادتهم وكيف سيتم اختيارهم.

“نصر كاذب”

تعمل السلطات اللبنانية على خطط لإعادة اللاجئين السوريين إلى ديارهم، طوعاً وقسراً، منذ عدة سنوات، لكن لم يتمخض عن أي شيء عملي عن تلك الخطط.

المحلل السياسي والناشط المقيم في بيروت وليد فخر الدين يرى أن هذا كلام عون يندرج في إطار محاولته ادعاء تحقيق “نصر كاذب”. وقال لـ DW إن “تصريح الرئيس يدور حول محاولة ادعاء بعض الإنجازات التي فشل في تحقيقها خلال فترة ولايته”، في إشارة إلى أن عون سيترك المنصب في نهاية تشرين الأول/أكتوبر.

من حيث عدد السكان، يستضيف لبنان، الذي يبلغ عدد سكانه الأصليين حوالي 4 ملايين، أكبر عدد من اللاجئين في العالم. أقل بقليل من مليون لاجئ سوري في البلاد مسجلون رسمياً لدى المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين، ويُعتقد أن هناك ما يصل إلى مليون سوري آخرين غير مسجلين. أدى هذا الخلل الديموغرافي، إلى جانب الكراهية المستمرة من بعض اللبنانيين تجاه سوريا، إلى حدوث توترات.

تقول آية مجذوب، الباحثة في هيومن رايتس ووتش لشؤون لبنان: “في كل مرة تحدث أزمة في لبنان، سواء تعلق الأمر بالقمامة أو الكهرباء أو الخبز، يلجأ السياسيون إلى جعل اللاجئين كبش فداء للهروب من إخفاقاتهم. لذلك قد تكون هذه مجرد رسالة شعبوية ينشرها [عون] لإظهار أنه أنجز شيئاً يهم عدداً كبيراً من اللبنانيين، قبل نهاية فترة ولايته”.

وقال نشطاء حقوقيون إن إعلان عون ربما جاءت بسبب التوترات بين لبنانيين ولاجئين سوريين والتي تفاقمت جزئياً بفعل الأزمة الاقتصادية الطاحنة التي تواجه اللبنانيون.

“وضع معقد للغاية”

قال أحد عمال الإغاثة لـ DW، متحدثاً بشكل غير رسمي، لأن كلامه ليس هو الموقف الرسمي للمنظمة ويعكس فقط الانتقادات التي سمعها في الشارع: “الموقف السلبي ينبع من حقيقة أن الناس يعتقدون أن اللاجئين [السوريين] يتلقون مساعدة دولية بالدولار، في حين أن العملة اللبنانية تتدهور. الامر الآخر هو مسألة الحدود المفتوحة مع سوريا وصعوبة تتبع من يذهب إلى سوريا أو من يأتي منها ومن هو بحاجة فعلية للحماية واللجوء”. ويردف العامل: “إنه عبء ثقيل على لبنان وهو وضع معقد للغاية، وسيزداد الأمر سوءاً إذا لم يقدم المجتمع الدولي المزيد من المساعدات”.

لا ترحيل قسري

ومع ذلك، على الرغم من المشاعر السيئة، فإن إعلان عون لا ينطبق على ما يبدو على الفكرة التي تم طرحها لأول مرة هذا الصيف حول إعادة 15 ألف سوري إلى بلدهم كل شهر، في حال انحدارهم من مناطق تعتبرها الحكومة السورية “آمنة”، بغض النظر عما إذا كان العائدون سيواجهون هناك خطر شخصي.

يعيش السوريون في مخيمات في لبنان في ظل ظروف إنسانية كارثية

كلام عون كان في إطار مبادرة عمليات العودة الطوعية ، التي اقترحتها السلطات اللبنانية لأول مرة في عام 2018.

وأوضحت آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش آلية عمل عمليات العودة الطوعية: “يقوم الناس بالتسجيل، ويرسل الأمن العام [اللبناني] قوائم [الأسماء] إلى الحكومة السورية لمعرفة ما إذا كانت هناك أية قضايا أمنية حولهم. وتقوم الحكومة السورية برفض من تريد، ثم يرسل الأمن العام الباقيين في حافلات إلى سوريا”.

لا رغبة في العودة 

في مقابلة مع DW، أكد ذلك عصام شرف الدين، وزير المهجرين اللبناني: “بدأنا العمل على هذا الموضوع منذ أشهر … وقدمنا ​​قائمة بـ 483 أسرة للأمن العام”. وأضاف أن خطة العودة الطوعية تم تأجيلها عدة مرات بسبب وباء كورونا، والمشاكل السياسية والفصول الدراسية الخاصة بالأطفال، بالإضافة ما يسميه شرف الدين “التدخل الأجنبي”، أي عدم استعداد المفوضية السامية للاجئين لمساعدة لبنان على إعادة السوريين بالقوة، إلى جانب الاحتجاجات من قبل جماعات حقوقية.

وقال مكتب المفوضية في بيروت في بيان إن المفوضية نفسها لم “تسهل عودة طوعية واسعة النطاق للاجئين من لبنان إلى سوريا”.

ومع ذلك، تابع شرف الدين، من المحتمل أن يكون هناك حوالي 1600 سوري يغادرون لبنان بحلول نهاية الأسبوع في ثلاث قوافل من المركبات. وقال “القافلة الأولى ستغادر إلى مدينة القلمون [غربي سوريا]، والثانية ستغادر إلى حمص، والثالثة ستمر عبر معبر المصنع الحدودي باتجاه  دمشق“، بيد أن الوزير اعترف بأن “الأرقام أقل مما كان متوقعاً”.

حتى الآن، لم تنجح البرامج الرسمية للعودة الطوعية. من غير الواضح عدد السوريين الذين عادوا إلى ديارهم من لبنان بمحض إرادتهم منذ عام 2019، من خلال البرامج المدعومة من الحكومة، لكن يبدو أن العدد لا يتعدى بضعة آلاف.

“لا ديل على إجبار اللاجئين على العودة”

يشعر بعض السوريين في لبنان الآن بالقلق من أن قوات الأمن قد تطلق حملة إضافية لتكثيف عمليات الإعادة إلى سوريا، من أجل جعل بيان عون أكثر قابلية للتطبيق، لكن منظمات حقوق الإنسان لا تعتقد أن ذلك سيحدث.

وأكدت ديانا سمعان، الباحثة في منظمة العفو الدولية لشؤون سوريا، أن “المعلومات التي لدينا هي أن الأمن العام ليس على وشك تكثيف أنشطته وإجبار اللاجئين على العودة”.

وتتفق بالرأي معها آية مجذوب من هيومن رايتس ووتش: “إنها مخاطرة، لكن لم نوثق أي شيء من هذا القبيل حتى الآن، أي بعبارة أخرى: ليس لدينا أي دليل على أن الناس أجبروا على التسجيل للعودة”.

على الرغم من أن معظم السوريين لا يستطيعون أو لا يرغبون في العودة إلى ديارهم، لأنهم لا يثقون في الحكومة السورية، هذا ناهيك عن أن المنظمات الحقوقية وثقت حالات للتجنيد الإجباري والسجن والتعذيب للعائدينن، بيد أن بعض السوريين عاد بالفعل.

يستضيف لبنان ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري
يستضيف لبنان ما بين مليون ومليوني لاجئ سوري

شهادة لاجئ

قال رجل، وهو أب لأربعة أطفال، يخطط لركوب الحافلات المتجهة إلى القلمون هذا الأسبوع: “لقد سئمت من كوني لاجئاً ومن الضغط النفسي الذي نعيشه، والفقر والإذلال”. “نحن لسنا متسولين، كما يدعونا الناس هنا. أنا نجار ولدي منزل في سوريا بحاجة إلى إصلاح. لكنني أعيش في خيمة منذ ثماني سنوات. سأكون بخير في منزل حتى وإن كان بلا نوافذ أو أبواب”.

قد يكون التصريح الأخير الصادر عن عون بمثابة دعاية ذاتية، ولا علاقة لها بالخطة الأكثر صرامة للإعادة القسرية المفترضة، لكن لا تزال هناك مخاوف جدية بشأن العودة الطوعية. وقالت ديانا سمعان: “ما يدفع بالعديد من هؤلاء اللاجئين إلى العودة هو الظروف التي يعيشون فيها”.

وأضافت مجذوب، من جانبها، أن “معظمهم ليس لديهم إقامة قانونية، لذا فهم عرضة للاعتقال أو الترحيل. يكافح الناس من أجل توفير لقمة العيش، وليس لديهم إمكانية الوصول إلى الرعاية الصحية، كما أن التوترات مع المجتمعات المضيفة مستمرة في الازدياد مع محاولة السياسيين إلقاء اللوم على اللاجئين السوريين في الأزمة الاقتصادية. لذا فهي بيئة قهرية للغاية بالنسبة للاجئين السوريين”. وتختم كلامها معنا بالقول: “على الرغم من أن العديد منهم لم يتم إجبارهم جسدياً على العودة، إلا أنهم يشعرون أنه ليس لديهم خيار آخر”.

كاثرين شاير/خالد سلامة

Scan the code