بين الشراكة والاستئثار تقع خلافات تشكيل الحكومات في لبنان. الا ان ازمة التأليف اليوم تختلف عن سابقاتها نظرا الى ان البلد سيدخل في فراغ رئاسي مع نهاية ولاية رئيس الجمهورية منتصف ليل 30 تشرين الاول المقبل.
يوم أمس بعث الرئيس عون برسائل الى كل من يعنيهم الأمر من حلفاء وخصوم، فاعتبر ان “حكومة تصريف الاعمال لن تكون قادرة على ممارسة مسؤولياتها على نحو كامل في حال تعذر انتخاب رئيس جديد للجمهورية لاي سبب كان، ولا يبدو طبيعياً ان الفراغ على مستوى السلطة التنفيذية غير المكتملة المواصفات وغير الحائزة على ثقة مجلس النواب يمكنه ان يملأ فراغاً على مستوى رئاسة الجمهورية”. في حين اكتفى المكتب الاعلامي للرئيس المكلف بالاشارة الى “ان ما قيل في بعبدا لن يكون باي شكل من الاشكال معطّلا لمواصلة مسعى الرئيس ميقاتي لتشكيل الحكومة الجديدة، وهو ينتظر مجددا ان يستكمل مع رئيس الجمهورية مناقشة التشكيلة التي قدمها في 29 حزيران الفائت”.
وعلى وقع التجاذبات السياسية التي تحمل في طياتها مقايضات يجريها رئيس “التيار الوطني الحر” جبران باسيل في ما خص الملف الرئاسي، وطرحه الحكومة الثلاثينية التي رفضت من قبل الرئيس المكلف ولا يحبذها رئيس المجلس النيابي نبيه بري لأنه لن يمنح باسيل الثلث المعطل في الحكومة العتيدة، فان حزب الله الذي يستعجل التأليف ولا يربطه بشكل الحكومة او لونها او عدد وزرائها، يهمه استنفاد كلّ المساعي والمحاولات للتفاهم حول تشكيلة حكومية مناسبة لمواكبة الاستحقاق الرئاسي الداهم .
وأمام كل ذلك جرى في الساعات الماضية تسريب سيناريوهين عن استعداد رئيس الجمهورية سحب تكليف ميقاتي، وتشكيل حكومة من دونه، وعن إرادته البقاء في قصر بعبدا بعد انتهاء ولايته الا ان كلا السيناريوهين لم تؤكدهما دوائر القصر، علما ان مستشار رئيس الجمهورية الوزير السابق سليم جريصاتي أشار إلى أنه لا يمكن سحب التكليف من ميقاتي الا في استشارات نيابية ملزمة وبعد التشاور مع رئيس مجلس النواب عملا بمبدأ موازاة الصيغ”.
فماذا يقول الدستور؟
يوضح الخبير الدستوري والأستاذ الجامعي الدكتور عادل يمين لـ”لبنان24″ أن ليس من نص دستوري واضح يرعى مسألة إمكانية سحب التكليف من رئيس الوزراء المكلف، ولكن في ظل عدم وجود مهلة صريحة أمام رئيس المكلف من أجل إنجاز اتفاقه مع رئيس الجمهورية على التشكيلة الوزارية، فإنّه يقتضي العمل بالمهلة المعقولة المكرسة في حقل القانون العام، وبما أنّ التكليف يتم من جانب رئيس الجمهورية استناداً إلى استشارات نيابية ملزمة ، وبما أنّه من المبادئ العامة القانونية الثابتة إنّ من حق الموكّل بأيّ وقت عزل الوكيل، وبما أنّ البرلمان فوق ذلك يملك صلاحية حجب الثقة عن حكومة عاملة فبالأحرى أن يملك حق حجب الثقة عن رئيس مكلّف كون مَن يستطيع الأكثر يستطيع الأقل، وبما أنّ النظام اللبناني برلماني، وعملاً بمبدأ موازاة الصيغ، يستطيع رئيس الجمهورية أن يدعو إلى استشارات نيابية حول مصير التكليف، فإذا اختارت الأغلبية النيابية النسبية شخصية أخرى للتكليف يسميها رئيس الجمهورية وقراره غير قابل للطعن أمام أيّ مرجع كان، مع تأكيد الدكتور عادل يمين أنّ هذا هو اجتهاده ويدرك أنّ بعض الآراء تخالفه. أما بخصوص بقاء رئيس الجمهورية فأكد يمين أنّ الرئيس لن يبقى دقيقة واحدة في القصر الجمهوري بعد انتهاء ولايته في 31 تشرين الأول 2022 مهما كان الظرف وسيخرج منه مرفوع الرأس ومرتاح الضمير كما دخل.
وحول سابقة تسليم الرئيس أمين الجميل المجلس العسكري السلطة، أوضح يمين، أنّ الرئيس الجميل قام في النصف ساعة الأخيرة من انتهاء ولايته بتأليف حكومة برئاسة قائد الجيش وعضوية أعضاء المجلس العسكري وبالتالي تسلمت السلطة بصفتها حكومة وليس بصفتها مجلساً عسكرياً، ولكن النص الدستوري كان يتيح للرئيس اختيار رئيس للوزراء بدون استشارات نيابية ملزمة وهو أمر تبدَّل مع التعديلات الدستورية المنبثقة من اتفاق الطائف.
وعلى ضوء الفراغ الرئاسي الذي يبدو حتميا، لا يمكن المقارنة بين فراغ 2014 والفراغ المحتمل في 2022. ويوضح الدكتور يمين، أنّ الفارق كبير كون حكومة الرئيس تمام سلام لم تكن مستقيلة العام 2014، أما اليوم فإذا تزامن الشغور الرئاسي مع وجود حكومة تصريف أعمال فسندخل أزمة نظام من الباب العريض وسنلمس باليقين عجز نظام الطائف عن إدارة البلاد والحاجة إلى تطويره أو تبديله.
وسط ما تقدم بدا واضحا تأييد يمين لطرح تقدم به رئيس التيار الوطني الحرفي اكثر من اطلالة له لانتخاب رئيس جمهورية جديد من الشعب، حيث أكد أنه لا بد من جعل انتخاب رئيس الجمهورية مباشراً من الشعب مع تأمين ضمانات ميثاقية تكفل حيثيته التمثيلية المسيحية إلى جانب تمثيله الوطني حتى لا يظل هذا الموقع عرضة للتعطيل. ولفت يمين إلى أنّ المادة 49 من الدستور تمنع انتخاب أي من موظفي الفئة الأولى أو ما يوازيها رئيساً قبل استقالته وانقطاعه عن العمل بسنتين وليس من نص يزيل هذا المنع في حال وقوع الشغور الرئاسي.
في المقابل يجمع اكثر من خبير دستوري ان المادة 62 من الدستور تنصّ على انه في حال خلو سدة الرئاسة لاي علة كانت تناط صلاحيات رئيس الجمهورية وكالة بمجلس الوزراء. وبالتالي فإن صلاحيات رئاسة الجمهورية تنتقل الى مجلس الوزراء مجتمعاً سواء اذا كانت حكومة كاملة الصلاحيات أو حكومة تصريف أعمال لا سيما وان الدستور لم يميز بين حالتي الحكومة المكتملة الصلاحيات والحكومة المستقيلة.
وعلى وقع القنابل الصوتية التي ترمى يوميا من قبل باسيل وانصاره في وجه الرئيس المكلف، تقول مصادر مطلعة لـ”لبنان 24″، ان هناك مسلمتين لا يمكن لأحد التشكيك بهما : الاولى ان باسيل لن ينجح في سحب التكليف من الرئيس ميقاتي. فالمجلس النيابي لن يحجب الثقة عن الاخير، وبري لن يجاري باسيل في اي اقتراح، وهناك معطيات وردت الى ميرنا الشالوحي دحضت كل توقعات رئيس تكتل لبنان القوي واماله على بعض النواب السنّة للوقوف الى جانب التكتل في معركته ، فهؤلاء لم ينجروا الى لعبة تصفية الحسابات الباسيلية التي بدأت مع الرئيس سعد الحريري ووصلت اليوم الى الرئيس نجيب ميقاتي وقد تصل الى اي رئيس حكومة مقبل بذرائع واهية. اما المسلمة الثانية، فهي ان الرئيس عون الذي التزم نصوص الدستور لا يمكن ان يتجاوزه فمن اقسم اليمين على الدستور ومارس مسؤولياته في المحافظة على قسمه وعلى القوانين اللبنانية، لن يكون في وارد الاصغاء الى الصهر او غيره ومخالفة أحكام الدستور .
التعليقات